الشاب “نزار ” ضحية “التشرميل “.. من حياة هادئة إلى معاناة مستمرة (فيديو)

هبة بريس – عبد اللطيف بركة

في منطقة الدشيرة الجهادية، أحد الأحياء الشعبية بمدينة إنزكان، كان الشاب “نزار ” يعيش حياة بسيطة ومستقرة، غارقًا في أحلامه وأهدافه. لم يكن يعرف أن الأيام المقبلة ستغير حياته إلى الأبد، لكن كانت حادثة واحدة في الأسبوع الثاني من شهر نونبر 2024 قلبت لديه كل شيء رأسًا على عقب، وسلبت منه أكثر من مجرد استقرار، بل سلبت منه جزءًا كبيرًا من هويته.

كانت تلك الليلة، عندما كان نزار عائدًا من صلاة العشاء، حين شعر بشيء غريب يلوح في الأفق، عندما مر بمكانٍ مهجور، ظهر فجأة شخصان على دراجة نارية، كانا يغطّيان ويعطيان جزء من وجهيهما بطريقة غريبة، بعد أن اقتربا منه، طلب أحدهما منه عشر دراهم، من سوء صدف “نزار” أنه حينها لم يكن يملك أي نقود في تلك اللحظة، رد قائلاً: “ما عنديش”. لكن الرد لم يكن مقبولاً بالنسبة لهما، فما كان منهما إلا أن هجم عليه أحدهما وضربه في وجهه ضربات قاسية، كان وقعها أشد من مجرد الألم الجسدي.

“بعد تلك اللحظة، لم يعد شيء كما كان، الوجع الذي شعرت به لم يكن في وجهي فقط، بل في نفسيتي أيضًا، يضيف ” نزار” وهو يحاول إستجماع أنفاسه …”ليتني أستطيع أن أشرح لكم كيف تغيرت حياتي بالكامل في تلك اللحظة”، يقول نزار وهو يروي تجربته بكل تأثر لميكروفون ” هبة بريس” .

لم تنتهِ معاناته عند الضربة القوية التي تلقاها في وجهه عند الحادثة، توجه نزار إلى المستشفى في إنزكان حيث تم إرساله من جديد إلى المستشفى الجهوي بأكادير. لكن الوضع لم يكن أفضل هناك. “لم يكن هناك من يهتم بحالتي، شعرت وكأنني معزول عن عالمي، في المستشفى، لم يكن أحد يهتم وكأنني مصاب بجرح بسيط ، غير ان هذا الجرح في الوجه، اثره أكبر على نفسيتي ، زاد من وجعه حجم الاهمال الذي لقيته داخل المستشفى .

بينما كانت الضغوط النفسية تتزايد عليه، بدأ نزار يواجه تحديات جديدة في حياته اليومية، “ما بقاش كيهمني شي حاجة، لا القراية ولا الخدمة، فالمجتمع أصبح ينظر لي نظرة مختلفة، حيت كلما خرجت إلى الشارع،ألاحظ كيف يحدق الناس في وجهي بشكل غريب، وكأنني ارتكبت جريمة ما”، يقول نزار.

عندما حاول العودة إلى دراسته في مجال الطهي، نجح مهما الصعوبات لكن خارج المعهد الذي تلقى به تكوينه المهني في تخصص المطعمة وصنع الحلويات ، يضيف ” نزار ” حين توجه لإجراء تدريب ” سطاج ” يحكي بحسرة ؛ “لم أستطع حتى إيجاد مكان لأداء التدريب ، فقد توجهت للعديد من الأماكن ولكن جميعهم رفضوا طلبي ، بعضهم يقول لي أن علامة ” الجرح ” في وجهي هي سببب عدم قبولي ، وأنهم لا يريدون مشاكل ونظرة الناس ، وغيرها من الأقاويل زادت جرحا أعمق في نفسيتي “، يوضح نزار.

ولم تكن هذه نهاية معاناة الشاب نزار ، فخلال فترة علاجه بدأ الشاب يشعر بالعزلة ونظرة سيئة من المجتمع، جعله يواجه صعوبة في العودة إلى حياته الطبيعية يقول : “كنت أذهب إلى السوق في أيام العيد، لكنني كنت أخاف من ردة فعل الناس ، إذا ما صادفت تسجيل حالة “سرقة ” وكنت بالصدفة هناك سيلاحظ الناس ندبتي على وجهي وقد يعتقدون انني ذوي سوابق والكثير من سوء الظن،فقد أصبح الشارع مكانًا غريبًا بالنسبة لي، كما أنني لم أستطع شراء ملابس العديد، حتى الليلة الأخيرة من صباح العيد حيت اشتريت ما أريد ورجعت لمنزل العائلة “.

والدته، التي كانت تحاول مساعدته قدر الإمكان، سعت للحصول على علاج له، لكن الدعم لم يكن متوفرًا، يضيف نزار متحسرا : “لم تقدم لي أي مساعدة من الجمعيات أو من أي جهة ما، كان الأمر كله على عاتق والدتي التي كانت تتحرك هنا وهناك لتأمين العلاج لي ، كانت أمي سندي الوحيد وإيماني القوي بالقدر خيره وشره، جعلنا نبحث عن الأمل في كل زاوية”، يقول نزار بصوت مخنوق.

وفي خضم هذا كله، يشعر نزار بأن المجتمع بحاجة إلى وقفة جادة من تغيير السلوك “هذا ليس فقط ما وقع لي بل هناك العديد من الأشخاص مثلي الذين يعانون بصمت من نظرة الناس،

نزار الآن يعيش بين الأمل واليأس، بين الألم والمقاومة، لكنه على الرغم من كل شيء، يظل لديه رسالة واضحة: “ماكينش غير نزار. كاينين بزاف لي تعرضوا لما تعرضت له، واللي ساكتين على حقهم، والمسؤولين لازم يديروا شي حاجة لإنهاء هذا الشيء، لأنه لا يمكن أن نبقى هكذا.”

إلى أن يأتي ذلك التغيير الذي يأمل فيه نزار، ستظل معاناته قصة تعكس حالة العديد من الشباب الذين وقعوا ضحايا لظاهرة “التشرميل” في المغرب، حيث يتزايد الإحساس بالخذلان والإهمال، بينما يستمر الألم النفسي والجسدي في تدمير حياتهم بشكل لا يُحتمل.



قراءة الخبر من المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى