
ألف مليار سنتيم سنويا تجد طريقها لجيوب ”الموظفين الأشباح“
هبة بريس -عبد اللطيف بركة
في الوقت الذي يواصل فيه المغرب مسار الإصلاح الإداري وتحقيق الانتقال من العمل الورقي إلى الرقمي، تبقى ظاهرة “الموظفين الأشباح” تشكل تحديًا مستمرًا أمام الحكومات المتعاقبة، حيث يتقاضى بعض الموظفين رواتب شهرية دون أن يقدّموا أي جهد أو يباشروا العمل المطلوب منهم.
هذه الظاهرة لا تقتصر على عدد قليل من الأفراد في المجتمع المغربي، بل أصبحت تمثل مشكلة مزمنة تؤثر على المؤسسات العمومية وتساهم في إهدار المال العام.
– تفشي الظاهرة وتأثيراتها المالية
تشير التقارير إلى أن المغرب يواجه خسائر سنوية ضخمة بسبب هذه الظاهرة، قد تتجاوز الـ 10 مليارات درهم، أي ألف مليار سنتيم وهو ما يعادل نحو مليار دولار أمريكي، ورغم عدم وجود إحصاءات دقيقة، تشير بعض المعطيات التي تم تداولها إعلاميا إلى أن عدد الموظفين الأشباح في القطاع العام قد يتجاوز الـ 100 ألف موظف رغم أن هذا العدد قد يكون ضئيل مقارنة مع واقع الحال.
ويتضح من خلال العديد من التقارير الرسمية أن هذه الظاهرة لا تزال قائمة على الرغم من الجهود المبذولة للحد منها، ففي تقرير صدر قبل أشهر حول الموارد البشرية بجماعة الرباط عاصمة البلاد، تم الكشف عن حالات لموظفين متقاعدين أو متوفين ما زالوا يتقاضون أجورهم حتى نهاية فبراير 2023، بالإضافة إلى 77 موظفًا آخرين يتقاضون رواتبهم رغم أنهم غير مدرجين في قائمة الموظفين الفعليين. بل إن نسبة حضور الموظفين في مقرات العمل لا تتجاوز 30% في بعض المؤسسات.
– محاولات الرقابة والتهرب المستمر
على الرغم من المحاولات المتكررة من أجل مكافحة هذه الظاهرة، من بينها تقنيات مثل “البوانتاج” لقياس حضور الموظفين، إلا أن هذه الإجراءات غالبًا ما تصطدم بعدم الجدية في تطبيقها. في هذا السياق، يعتقد بعض الخبراء في التدبير الإداري والمالي أن الظاهرة تفوقت على جميع محاولات الرقابة الداخلية والخارجية، بسبب ضعف الإرادة السياسية لمكافحة الفساد وضعف آليات المحاسبة.
وأشار أحد الخبراء في مجال الرقابة المالية إلى أن غياب المسؤولية والمحاسبة الفعّالة يعزز من استمرارية هذه الظاهرة، مما يجعلها تتطور في بيئة لا تجد فيها أي عقاب أو رادع.
– تأثير الظاهرة على الثقة العامة في المؤسسات
تعد ظاهرة الموظفين الأشباح أحد العوامل الرئيسية التي تساهم في فقدان الثقة بين المواطنين والمؤسسات العمومية. ويقول بعض المتخصصين في العلوم السياسية أن هذه الظاهرة تعكس أزمة ثقافة العمل والإنتاجية في القطاع العام، فهم يرون أن الموظف العام لا ينظر إلى عمله كمهمة إنتاجية بقدر ما يراه مجرد مصدر ثابت للدخل، وهو ما يؤدي إلى ضعف الالتزام بالمسؤوليات.
خبراء آخرون شددوا على أن حل هذه المشكلة يتطلب تغيير النظرة المجتمعية تجاه العمل في القطاع العام ، من المهم أن يتعلم المواطن المغربي منذ مراحل مبكرة في المدرسة أهمية الإنتاجية وخدمة المجتمع في الوظائف العامة، بدلاً من اعتبارها مجرد مصدر للراحة والامتيازات.
– الموظفون الأشباح في الجهات الترابية: التدخلات السياسية وحماية الفاسدين
في بعض المناطق، مثل جهة سوس ماسة، تم الكشف عن تدخلات من مسؤولين محليين لإيقاف مسطرة عزل الموظفين الذين لم يلتحقوا بمقرات عملهم لسنوات.
وتشير معطيات أن بعض الموظفين الأشباح في هذه المجالس الترابية ينتمون إلى عائلات نافذة، بما في ذلك زوجات المسؤولين المحليين، مما يزيد من تعقيد المشكلة.
إحدى المصادر أشارت إلى أن هذه التدخلات السياسية قد تساهم في إبقاء هؤلاء الموظفين في وظائفهم رغم غيابهم المستمر عن العمل، ما يعرقل أي محاولة للتصدي للظاهرة.
كذلك، تشهد بعض القطاعات، مثل وزارة التعليم والشبيبة والرياضة، حالات مماثلة لموظفين يتقاضون أجورهم بينما يعملون في مجالات رياضية أخرى بعقود احترافية، مما يزيد من تفشي الظاهرة في هذه المؤسسات.
– إصلاحات ضرورية: الرقمنة والمحاسبة الفعّالة
من أجل مواجهة هذه الظاهرة بشكل فعّال، يشدد الخبراء على ضرورة تبني نهج شمولي يعتمد على الرقمنة في الإدارة العمومية، عبر توظيف التكنولوجيا يمكن أن يساعد بشكل كبير في تقليص فرص التهرب من العمل ويزيد من فعالية الرقابة على الموظفين. كما أن تفعيل مرسوم الحكومة الذي يقتضي من كل وزارة إرسال قائمة بأسماء موظفيها إلى الخزينة العامة سنويًا يمكن أن يكون خطوة مهمة للكشف عن الموظفين الأشباح، في حالة اكتشاف هذه الحالات، يجب أن يتم اتخاذ إجراءات فورية لتطهير المؤسسات من هؤلاء الموظفين.
وتبقى ظاهرة “الموظفين الأشباح”مشكلة هيكلية تؤثر بشكل مباشر على مالية الدولة وعلى مستوى الخدمة العامة المقدمة للمواطنين. والتصدي لها يتطلب إرادة سياسية قوية، وتفعيل آليات الرقابة والمحاسبة، وتغيير الثقافة المجتمعية تجاه العمل في القطاع العام.
تابعوا آخر الأخبار من هبة بريس على WhatsApp
تابعوا آخر الأخبار من هبة بريس على Telegram
تابعوا آخر الأخبار من هبة بريس على X